أما لماذا سمي الحي بالمواسين، فقد وردت في ذلك 6 روايات كاملة 5 منها متداولة في كتب التاريخ ولدى المحققين الثقات الأثبات، ورواية نادرة لم نحصلها إلا بكثرة الغوص في مكنونات التاريخ وبالضبط إلى فترة تأسيس الدولة المرابطية قبل نحو ألف سنة من يوم الناس هذا...
تختلف الروايات في أول مكان بني من مدينة مراكش الحالية، فمن المؤرخين من يؤكد أن أول دار بنيت كانت في حومة "حارة السورة"، ومنهم من يقول بأنها في "أسول" غير بعيد جدا عنها، أو "قصر الحجر" الذي احتضن البطانة المرابطية الحاكمة...
هذه التوطئة كانت ضرورية قبل الخوض في الأسباب الستة المحتملة لتسمية الحي بالمواسين مع ترتيبها من الأقوى إلى الأضعف سندا:
1 ـ المواسين جمع مذكر سالم للمواسي؛ أي الشخص الذي يقدم المواساة والسلوان لمن ألمّت به داهية من دواهي الدنيا؛ فيقال إن إيزابيلا وفرناندو لما طردا المسلمين واليهود وأيضا النصارى غير الكاثوليك عقب سقوط مملكة بني الأحمر سنة 1492 ميلادية، فجزء من الموريسكيين واليهود تفرق دمه بين القبائل حيث استقر أغلبهم في مدن شمال المغرب فيما توجه الآخرون تلقاء الشرق نحو الجزائر وتونس، بل إن نسبة منهم توغلت كثيرا حتى استقروا في الأستانة أو القسطنطينية عاصمة العثمانيين وهي مدينة إسطنبول الحالية...
يقال إن سكان حي "أبي عبيدان" ـ وهي التسمية الثانية للمواسين عقب تفرق قصر الحجر إلى حومات واضحة المعالم مثل القصور التي ورثت جزءا من التسمية الأصلية وسيدي عبد العزيز حيث ضريح الولي الصالح سيدي عبد العزيز التباع، واسوا اليهود وأقطعوا لهم دورا وكناسا للعبادة كانت تسمى "برج اليهودية" ـ وليس برج اليهودي كما هو دارج خطئا ـ هذا علما أن اليهود كانوا متفرقين في حومات وأحياء مراكش قبل أن يتم جمعهم في منطقة "الملاح" في فترة لاحقة قيل إنها تعود للعصر السعدي وقيل بل حتى عهد الدولة العلوية في القرن السابع عشر...
هذه الرواية هي الأقوى والأثبت سيما وأن ذلك العصر كان عصر قلاقل بحيث شهد انهيار الدولة المرينية التي تلت الموحدين ثم تولي الوطاسيين الذين كان حكمهم ضعيفا قبل أن ينبعث الشرفاء السعديون من منطقة درعة جنوب المغرب ويتولوا زمام الأمور سنوات وعقودا قليلة جدا بعد هذه الأحداث (بداية القرن 16)...
2 ـ الرواية الثانية تقول إن سبب التسمية يعود إلى شخص لقبه "المواسي" كان من أهم رجالات المهدي بن تومرت، وقد استقر وعائلته في حي أبي عبيدان فحمل اسمه واسم عائلته المؤثرة جدا والنافذة في عصر الدولة الموحدية...
3 ـ وقيل أيضا إن المواسين هي اسم حرفة مثل الصباغين واللبادين والعطارين وغيرها، وذلك لأن هذه المنطقة كانت تنفرد بصناعة السيوف والأسلحة البيضاء في منطقة شمال إفريقيا برمتها؛ وهي الصناعة التي كانت ـ تقريبا ـ حكرا على اليهود وقد اشتهروا بها منذ قدم الزمان بل وحتى في يثرب قبل وبعد أن هاجر إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم...
4 ـ المواسين أيضا قد تعود كاشتقاق وجذر لغوي على بعض قبائل ماسة التي استقر الكثير من أشرافها وأعيانها في الحي السلطاني آنذاك...
5 ـ المواسين قد تكون مرتبطة أيضا باشتقاق من مفردة أمازيغية قديمة هي لفظة "أمواسين" و"تمواسينت"؛ وتعني المنطقة أو الأرض المقعرة...
6 ـ الرواية السادسة شديدة الندرة فلا تكاد توجد في أي مصدر تاريخي لدرجة أننا طالعناها بالصدفة البحتة أثناء بحثنا عن تاريخ الحروب بين السعديين والوطاسيين وهي فترة قلاقل امتدت من القرن الخامس عشر إلى النصف الأول من القرن السادس عشر، وعرفت أحداثا جد مؤثرة في منتصفها مثل سقوط دولة بني الأحمر في غرناطة وانتهاء ثمانية قرون من الوجود الإسلامي في الأندلس...
الرواية تقول بأن مسجد المواسين الحالي كان قد أقيم على ضريح "أبي العباس أحمد" آخر ملوك الدولة الوطاسية ـ عمليا ـ بحيث تولى قيادة الدولة على فترتين من 1526 إلى 1545 ثم من 1547 إلى 1549 قبل أن ينهزم أمام السعديين في موقعة "تادلة" فدخلوا فاس وأعادوا العاصمة إلى مراكش، وقد تلاه السلطان "أبو علي حسون" الذي كان حكمه من الضعف مما أدى إلى سقوط الدولة الوطاسية نهائيا عام 1554...
ما يهمنا هنا هو أن ضريح أبي العباس أحمد كان شعاره عبارة عن خنجرين متقاطعين ومفردهما موس أو موسى، وبالأمازيغية فاثنان هي سين ومؤنثها "سنات"، فهو إذن موس ـ سين أي خنجران، ومنه اشتقت مواسين...
وهي رواية ضعيفة سيما وأن الناصري في الاستقصا قال بأن أبا العباس أحمد أرسل إلى درعة حيث قتل هناك...
والله تعالى وأعلم.
المصدر : مراكش مدينة الألف سنة
Commentaires
Enregistrer un commentaire